صفة صـوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَجَّتِه من الكتاب والأحاديث الصحيحة
الخميس, 01 فبراير 2024 08:02

 

(الحلقة الأولى)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

يقول الله وهو الحق وقوله الحق: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (سورة الأحزاب، الآية: 21). ويقول في سورة الحشر (الآية: 7): {وَمَا ءاتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.

ويقول الله عز وجل في سورة آل عمران  (الآية: 163): { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.

والرسول صلى الله عليه وسلم عَلَّمَنَا وَبَيَّنَ لنا أشد وأظهر البيان كلما هو خير لنا في دنيانا وآخرتنا وكل ما هو شر لنا في دنيانا وآخرتنا، وَأَبْرَزَ مِن بَيْنِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْبَيَانِ كُلَّمَا يَتَعَلَّقُ بما بُنِيَ عليه الإسلامُ، كما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ ّيُوَحَّدَ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ». قال رجل: الحج وصيام رمضان؟ فقال: لاَ، «صِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ» هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا لفظ الإمام مسلم رحمه الله.

وبعد كتابي "صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة وصفة وضوئه وصفة صلاته" فها أنا -بفضل الله وتوفيقه- أقدم للقراء الكرام: "صفة صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وصفة حجته".

وكصنيعي في كتاب "الصلاة" سألتزم بالصحيح من الحديث في هذا الكتاب؛ مؤكدا ذلك بتخريج جميع أحاديثه، ليسهل على القراء الكرام مراجعتها -عند الحاجة- في محلها المذكور، وهذا يعني جمعها من الشتات في نفائس المصنفات وهو ما يتطلب بحثا وجهدا مضنيا في كثير من الأحاديث. وحديث الخمس المبني الإسلام عليها -كما تقدم ذكره- جعل في الترتيب صيام رمضان قبل الحج.

وسأستوحي منه ترتيب الكتاب على النحو التالي:

1 - صفة صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان.

2 - صفة حجته صلى الله عليه وسلم.

وأرتب الكلام على صفة صومه صلى الله عليه وسلم بذكر المراحل التي مرت بها فريضة الصوم ثم الواقع العملي للصوم.

ولما كانت مصالح الصوم مشهودة بالعقول السليمة شرعها الله لعباده؛ رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وحِمْيَةً لهم وجُنَّةً.. وكان هدي رسول اللهصلى الله عليه وسلم في الصوم -وفي غيره- أكمل الهدْيِ وأعظم تحصيل للمقصود وأسهل على النفوس. وجميع ما صامه رسول اللهصلى الله عليه وسلم -بعد أن فرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة- تسعة رمضانات. وفي تلك السنين الخيرة والمباركة والنيرة تعرف الصحابة -رضوان الله عليهم- بواسطة كتاب الله وقول رسولهصلى الله عليه وسلم وفعله على صفة صومه صلى الله عليه وسلموتعلموا أركان الصيام وآدابه ومستحباته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتزموا ما عُلِّمُوا وعَلِمُوا ونقلوه بصدق وأمانة للخلف.

وسأبسط القول في هذا كله، إن شاء الله، في محله من القسم الأول من الكتاب.

والقسم الثاني من الكتاب -كما تقدم في الترتيب- يتناول صفة حجتهصلى الله عليه وسلم.

وهذه الحجة يقال لها: حجة الوداع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعدها. وسميت حجة الإسلام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج من المدينة غيرها. وقد قيل إن فريضة الحج نزلت عامئذ؛ ورجح كثير من العلماء والحفاظ هذا القول. وسميت حجة البلاغ لأنه صلى الله عليه وسلم بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا؛ ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه أشد وأحسن وأظهر البيان. فلما أكمل هذا البيان بشعيرة الحج أنزل الله عز وجل عليه وهو واقف بعرفة يوم الجمعة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا} (سورة المائدة، الآية: 3).

وتفصيل هذه الحجة -الفريدة في البركة- سيأتي إن شاء الله في محله من هذا الكتاب.