صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضوئـــه وصلاته من الكتاب والأحاديث الصحيحة
الاثنين, 05 أغسطس 2024 08:13

(الحلقة الأولى)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ َإِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}

{يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُم الذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهَما رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاَءً، وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاَءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

أما بعد؛

فإن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وقد يصعب في أيامنا هذه البحث والقراءة على بعض الناس واستخراج أحكام الطهارة والصلاة من الكتاب والسنة؛ ونظرا إلى مكانة الطهارة والصلاة في الإسلام، حيث أن الصلاة لا تقبل إلا بطهارة من الخبث والحدث، وأن الصلاة هي أفضل العبادات بعد توحيد الله عز وجل.. قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}1.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم -مبينا كتاب الله- عندما سئل عن أحب الأعمال إلى الله عز وجل: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا، ثُمّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّهِ»2.

ونظرا إلى هذا كله أحببت أن أكتب هذه الرسالة الوجيزة لعدة أسباب أذكر منها:

- البحث عن الثواب الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لهُ».

وأرجو الله أن يجعل هذه الرسالة مما ينتفع به من العلم؛ وإن لم أكن من فرسان هذا الميدان ولا غيره.

ـ وبما أني لم أقف على كتاب جامع لصفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة وصفة وضوئه وصفة صلاته فقد رأيت أن أقدم للأخ المسلم كتابا جامعا لهذا كله؛ مذكرا بأن الصلاة تعبد الله بها الناس جميعا وجعلها شعيرة مشتركة بين الرسالات؛ إذ لا يعرف دين من الأديان التي بعث الله بها الرسل -عليهم جميعا صلوات الله وسلامه- بغير صلاة؛ من أجل ذلك عني الإسلام بها عناية عظيمة وذكرها الله في القرآن عن أنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه فقال:

ـ على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الله: {رَبِّ اَجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}.

ـ عن الذبيح إسماعيل صلى الله عليه وسلم: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ}.

ـ يأمر الله بها موسى الكليم موسى صلى الله عليه وسلم فيقول: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}.

ـ على لسان المسيح عيسى بن مريم عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ}.

ـ مخاطبا حبيبه وخاتم أنبيائه محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ}.

وفرضها على عباده المسلمين في الحضر والسفر والسلم والحرب والأمن والخوف والعافية والسقم فقال: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا}.

وقال الله عز وجل مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}.

وأُشْهِدُ اللهَ عَزَّ وجل أني أَشْهَدُ أن عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بين أشد وأحسن وأظهر البيان، وأنه -صلى الله عليه وسلم- قام بهذه الوظيفة حتى أتاه اليقين. وكانت الصلاة من أعظم ما بينه للناس قولا وفعلا؛ حتى أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى مرة على المنبر يقوم عليه ويركع، ثم قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنّيَ صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي»3.

وأوجب، صلى الله عليه وسلم، على المسلمين أن يصلوا كما كان يصلي فقال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»4.

وبشر من صلى كصلاته صلى الله عليه وسلم أن له عند الله عهدا أن يدخل الجنة.

وقد وضع الشارع للصلاة شروطا وحدودا وأركانا بها تقبل أو ترفض.

ومن أجل أن يكون المسلم على بصيرة من هذا كله ألف السابقون واللاحقون في الصلاة كتبا مفصلة أو رسائل مستقلة أو فصولا من كتب.

ومن هؤلاء:

ـ رسالة "الصلاة" للإمام أحمد ابن حنبل.

ـ رسالة "الصلاة وحكم تاركها" للإمام ابن القيم.

ـ صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للإمام الألباني

ـ صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يكبر إلى أن يسلم، التي بين أيدينا، وهي فصل من كتاب "الصوارم والأسنة" للإمام محمد بن أبي مدين بن الشيخ أحمدُ بن اسليمان5.

وإنه لشرف لي عظيم أن أقدم للقارئ المسلم ما كتبه هذا الإمام المحدث عن صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع تخريج جميع أحاديثه. وليس هذا يعني أن الإمام محمدا ابن أبي مدين عجز عن هذا التخريج؛ فكلا وحاشى وهو بخاري زمانه.. ولكنه خرّج من أحاديث هذه الصلاة ما رآه ضروريا ومواكبا للزمان الذي صنف فيه هذا الكتاب الجليل.

ومن المعلوم، أيضا، أن الإمام محمد بن أبي مدين من القلة من أئمة الحديث في موريتانيا الذين صنفوا في فن الحديث، فأثابه الله بنصره وجعله خليقا بالإعجاب، جديرا بالإعظام. وكان العلماء في موريتانيا -وفي غيرها من البلاد التي شارك فيها في ندوات ثقافية- يعظمونه.. ولا غرابة في ذلك فهو الإمام الذي أخلص نفسه وفكره وعقله للتوسع والتعمق والتخصص في فن الحديث الشريف، وقضى حياته مجاهدا في سبيل إعزازه والتمكين له في نفوس الناس ودرء شبهات أعداء العمل به.. لا يبغي بذلك طلب المكانة بين الناس أو المنالة منهم أو الجاه عندهم؛ بل ابتغى بما عمل وجه الله وتحقيق المثل العظيم الذي رسمه لنفسه وتعلمه من جده الإمام محيي السنة بابَ بن الشيخ سِيدِيَّ6 ألا وهو الجهاد المستمر في سبيل السنة والذب عنها "بالصوارم والأسنة" حتى قضى نحبه رضي النفس بتاريخ 08/ 11/ 1976 بانواكشوط.

وأنا أعتبر الإمام محمد كوالدي؛ ونشأت في بيته، وكنت معجبا به في فجر شبابي لأنه يمثل -في نظري آنذاك- المسؤول عن رعاية أسرة أهل الشيخ أحمدُّ ومن سار في ركبهم. فرعى الإمام محمد هذه المسؤولية حق رعايتها فعلم الصغار وكفل الأكابر. ثم تعاقبت الأعوام وتغيرت القيم والأحوال وتبدلت الأنظار.. وظل إعجابي بالإمام محمد مكينا ركينا؛ بل ازداد تأصلا وتمكنا مما شاهدت فيه من حسن الخلق وسعة الأفق. فخرج على الناس بما آتاه الله من الحكمة عبر الكتب المتنوعة التي أودعها علمه. وأذكر من هذه الكتب:

-شرح ألفية العراقي،

-الصوارم والأسنة (الذي أخذنا منه الفصل الذي بين أيدينا)

-شن الغارات على أهل وحدة الوجود وأهل معية الذات،

-الأجوبة والفتاوى،

-قضية غزو الفضاء،

-المنيحة.

وذكر ابنه إبراهيم وهو يترجم لوالده بمناسبة تحقيقه لكتاب "المنيحة" لائحة طويلة للكتب التي أخذ تصنيفها كثيرا من عمر هذا الإمام، فليراجعها من شاء.

وخصص الإمام محمد -كما أسلفت- فصلا من كتابه "الصوارم" لصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم. فأخذت كلام المصنف بلفظه من الطبعة الثانية بتاريخ 1975م لكتابه، ومع تخريج جميع أحاديث هذه الصلاة علقت على بعض نقاطها، مشيرا –أحيانا- إلى بعض الأقوال التي خالفت ما رجحه الإمام محمد؛ ناويا بذلك عدم التضييق على الناس بأن أذكر لهم كل ما صح فعله في الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الترجيح ليس سهوا من الإمام محمد؛ بل هو الأخذ بما صح عنده رحمه الله. وأضفت إلى هذه الصلاة -كما يوضحه عنوان الكتاب-صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين وصفة وضوئه صلى الله عليه وسلم. وبهذا العمل البسيط أرجو أن أكون قد ساعدت المسلمين -المختلفين حسب اختلاف مذاهبهم- على التقارب الفكري ونبذ التعصب المذهبي واتباع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والله يأمر عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تـُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ}.

ونسأل الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه معينا على اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يثيبني جزيل الثواب.. إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.

عبد الرحمن ابن شعيب

11 /5/ 2000

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - سورة النساء، الآية 103.

       

2 - رواه البخاري ومسلم.

3 - رواه البخاري ومسلم وأبو عَوانة وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد.

4 - رواه: البخاري وأحمد.

5 - محمد بن أبي مدين: ولد في شهر نوفمبر 1903 عند بئر اعْوَيْنَاتْ إِشِنْكَاطْ الواقعة بين بتلميت والمذرذرة، وتوفي -رحمه الله- بتاريخ 08 /11/ 1976م بانواكشوط، ويقول ابنه إبراهيم وهو يترجم له: "في حدود العاشرة من عمره أخذه جده الإمام بابَ ولد الشيخ سيديَّ وتولى تدريسه بنفسه وربما كان من أهم أسباب اعتكاف محمد وتخصيص جل حياته للحديث وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، عطف جده عليه وتمرينه على قراءة الكتب وتدريبه على المطالعة وإشراف الإمام بابَ المباشر على تكوينه العلمي والأخلاقي" اهـ.

6 - قال عنه المصنف –سبطه- الإمام محمد بن أبي مدين وهو يترجم لجده بابَ تحت عنوان: حياة بابَ ابن الشيخ سيديَّ وعقيدته: "هو محيي السنة ومجدد القرن الرابع عشر، أبو محمد الشيخ سيديَّ بابَ بن الشيخ سيدي محمد الخليفة بن الشيخ سيديَّ الكبير بن المختار بن الهيبة الانتشائي، وأمه مريم بنت عبد الودود بن أربيه الأبييرية ثم المحمدية، ولد في ربيع الأول عام 1277هـ ومتوفي يوم الخميس الثالث من جمادى الثانية سنة 1342هـ، ودفن بالبعلاتيه، رحمه الله تعالى" ورحم المستقدمين والمستأخرين من أهل هذه الديار.

آمين.