(الحلقة الأولى)
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد: فإن من أسنى المطالب لدى أهل العلم بالشريعة علم المواريث وجرى على ألسنة كثير من الناس أثر
عن ابن مسعود يرفعه: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرَ الْفِتْنَةُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثنانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلاَ يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بيْنَهُمَا» رواه أحمد والترمذي والحاكم واللفظ له (50/2).
لكن من تتبع طرق هذا الأثر يجده ضعيفا، لجهالة أحد رواته، وهو سليمان بن جابر كما قال الإمام الألباني رحمه الله في الإرواء (103/6) ومضطربا كما قال الترمذي (2/11).
لكن لا يخفى على ذوي البصيرة أهمية علم المواريث والتفقه فيه طبقا لما جاء في كتاب الله وثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم
1- من الكتاب:
قال المحيي المميت الباعث:
-{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ، فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ، وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ، وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةِ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}
- {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أوْ دَيْنٍ، وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ، فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ، وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَالكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ، مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (النساء، الآية: 11 و 12).
وقال العليم الحكيم العدل الهادي:
- {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ، وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ، يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النساء، الآية: 176).
هذه الآيات الثلاث جمعن علوم الفرائض وأركان أحكام الميراث. ومن تدبرها أدرك حكمة الله الجلية في قسمة الميراث على هذا الوجه الدقيق العادل، الذي لم ينس فيه حق أحد، ولم يغفل من حسابه شأن الصغير، والكبير، والرجل، والمرأة، بل أعطى كل ذي حق حقه، على أكمل أوجه التشريع، وأروع صور المساواة، وأدق أصول العدل، ووزعت التركة بين المستحقين توزيعا عادلا حكيما، بشكل لم يدَعْ مقالة لمظلوم، أو شكوى لضعيف، أو رأيا لتشريع من التشريعات الأرضية يهدف لتحقيق العدالة أو رفع الظلم عن البشرية. فسبحان من شرع الأحكام في كتابه المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ولا توجد في الشريعة الإسلامية أحكام تعرض القرآن الكريم لبيانها بيانا تفصيليا مثل أحكام المواريث، لأن الإرث من أهم أسباب تَمَلُّكِ الأموال، والمال عصب حياة الأفراد والجماعات؛ إذ به قوام البشرية وعليه تدور رحى الحياة.
وأنواع الإرث أربعة وهي:
- إرث بالفرض
- إرث بالتعصيب
- إرث بالرد
- إرث بالرحم
وسأبسط القول ـ إن شاء الله ـ في هذه الأقسام مع بيان أركان الإرث وشروطه وموانعه وجميع مسائله، طبقا لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم أذكر إلا ما يستند إلى نص، خلافا لما لا مستند له إلا محض الرأي، كما هو صنيعي في جميع كتبي.
ولكي يستخرج القارئ الكريم الحكم في سهولة عمدت إلى هذه المسائل فجعلت أغلبها في جداول مفسرة:
فالجداول في الطريقة الأولى مبنية على أساس الفرض المقدر ومن يستحقه في كل الأحوال والصور مع ذكر ما يشترط لذلك، ثم جعلت الطريقة الثانية مبنية على ذكر الشخص الوارث، ثم تعديد حالاته وما يستحقه في كل حالة، سواء أكان عاصبا أم صاحب فرض، وتعرضت أثناء ذلك لبيان الحجب والتعصيب ثم عقبت ببيان الرد، وحكم توريث ذوي الأرحام، والعول، وهذا كله مع ذكر دليله.
وعرجت أيضا على موانع الإرث كالقتل أو الكفر (والعياذ بالله). واعتمدت كثيرا في تصنيف هذا الكتاب ـ النافع إن شاء الله ـ على ما قاله الله عز وجل في آيات المواريث وعلى جم من مراجع الأصول أذكر منها على سبيل المثال: كتاب السنن لأبي عثمان سعيد ابن منصور الخراساني المتوفى سنة 227هـ، والروضة الندية، والمواريث في الشريعة الإسلامية،وتسهيل الفرائض، والإرواء، وفوائد في علم الفرائض، ونصب الراية، وكتاب الأم، وشرح السنة، وبذل المجهود في حل أبي داود، وكتاب مراتب الإجماع والكتب الستة، والدارمي، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، والطيالسي، وأحمد وابن الجارود … إلخ.
والله سبحانه وتعالى أسأل –وهو السميع المجيب- أن يتقبل مني عملي هذا وأن يجعله خالصا لوجهه ووسيلة لي ولوالدي أنال بها شفاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد الرحمن ابن شعيب
انواكشوط بتاريخ: 25 /08/2006م
*طالع في الحلقة القادمة:
الإرث بالفرض