توريث ذوي الأرحام
الأحد, 21 يوليو 2024 07:18

 

 

(الحلقة التاسعة والعشرون)

التعريف: هم الذين ليس لهم فرض مقدر بالكتاب أو السنة، وليسوا بعصبة: كالعمة، والخال، والخالة، وابن الأخت، وابن البنت… الخ

آراء أئمة المذاهب في توريث ذوي الأرحام:

1- المالكية والشافعية: لا يرون توريث ذوي الأرحام، ويقولون إن المال ينتقل إلى بيت مال المسلمين، في حالة انعدام وجود صاحب فرض أو عاصب وهذا القول منقول عن بعض الصحابة رضي الله عنهم كزيد بن ثابت في بعض الروايات عنه.

2- الحنفية والحنابلة: يرون توريث ذوي الأرحام إذا لم يكن ثمة أصحاب فروض ولا عصبة، ويرون أنهم أحق بالميراث من غيرهم، حسب القرابة، وأنهم يقدمون في الميراث على بيت المال.

وهذا القول منقول عن: علي وعمر وابن مسعود وغيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

أدلة الفريقين:

المالكية والشافعية:

1- أن الأصل في الميراث أن يكون بنص شرعي قاطع من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليس في هذين نص يدل على توريث ذوي الأرحام، فيكون توريثهم توريثا بغير دليل.

2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سئل عن ميراث العمة والخالة فقال: «أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَن لاَّ شَيْءَ لَهُمَا…» ومعلوم أن العمة والخالة من ذوي الأرحام، فإذا لم يكن لهما شيء من الميراث فلا شيء لغيرهما.

قلت: لم أقف على سنده. وتوريث العمة والخالة جاء مصرحا به في حديث المغيرة الصحيح والمخرج (ص: 203) من هذا الكتاب. والله أعلم.

3- أن المال إذا دفع لبيت مال المسلمين تتحقق منه منافع وفوائد كثيرة يشترك فيها جميع المسلمين وعليه يكون بيت مال المسلمين أحق بالتقديم من ذوي الأرحام.

الحنفية والحنابلة:

الذين قالوا بتوريث ذوي الأرحام واستدلوا على مذهبهم بما يلي:

1- من الكتاب: ﴿وَأُولُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَولَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله..﴾

ووجه الاستدلال هو أن الله عز وجل قد ذكر الأقارب بأنهم أحق بميراث بعضهم من غيرهم فإن لفظ ﴿أُولُوا الأرْحَامِ﴾ عام يشمل جميع الأقارب؛ سواء أكانوا أصحاب فروض أم عصبة، أم غير هؤلاء من الأقارب. فيكون ذوو الأرحام أحق بالميراث من بيت مال المسلمين.

2- من الحديث: عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة الزرقي عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خال فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب إليه عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَن لاَّ مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَن لاَّ وَارِثَ لَهُ».

أخرجه: الترمذي (2/13) وابن ماجه والسياق له (2737) والطحاوي (2/430) وابن الجارود (964) وابن حبان (1227) والدارقطني (461) والبيهقي (6/214) وأحمد (1/28).

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" عن عبد الرحمن هذا: "صدوق له أوهام". وعليه فيكون إسناد الحديث حسنا فقط.

وعن علي بن أبي طلحة راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عبد الله بن لُحي عن المقدام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ كَلاًّ فَإِلَى (وربما قال إلى الله وإلي رسوله) وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ، وَأَعْقِلُ لَهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَن لاَّ وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ».

أخرجه: سعيد بن منصور في سننه (3/1/50) وأبو داود (2899) وابن ماجه (2738) والطحاوي وابن الجارود (965) وابن حبان (1225) والحاكم (4/344) والبيهقي وأحمد (4/131) كلهم عن بديل بن ميسرة عن علي بن أبي طلحة.

قلت: وأورد الحديثَ بسند صحيح ابنُ حبان (1226) من طريق عبد الله بن سالم عن الزبيدي والزبيدي اسمه محمد بن الوليد.

خلاصة البحث

وبمقارنة الأدلة نجد أن ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة أقوى دليلا وأظهر حجة وأوضح بيانا. وهو رأي جمهور الصحابة والتابعين. وبيت مال المسلمين المنتظم الذي توضع فيه الأموال لمصالح المسلمين عامة قد ذهب وضاع ولم يبق له أثر وخاصة في زمننا هذا.

ومن أجل هذا فقد أفتى متأخرو المالكية -وتابعهم فقهاء الشافعية- بأن ذوي الأرحام يقدمون على بيت المال وبذلك تصبح آراء الفقهاء جميعا قد اتفقت على توريث ذوي الأرحام. والله أعلم.

* طالع في الحلقة القادمة: توريث ذوي الأرحام