قيام رمضان أو صلاة التراويح
الجمعة, 22 مارس 2024 08:16

alt

(الحلقة الحادية عشرة)

المعنى: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: التراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة.

ـ مشروعيتها: روى البخاري، ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة 

فصلي بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة -أو الرابعة- فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح قال: «قَدْ رَأَيْتُ الذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَن تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ». وهذا لفظ مسلم.

فلما لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار ربه، وكمل الدين، وانقطع الوحي، زالت الخشية من وجوبها، وبقيت مشروعية صلاتها جماعة قائمة؛ لزوال العلة؛ لأن العلة تدور مع المعلول وجودا أو عدما. فكان أول من جمع الناس على قارئ واحد الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه -كما رواه البخاري، ومالك، وعبد الرزاق- عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبَيِّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: نعمت البدعة هذه؛ والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. وكان الناس يقومون أوله.

عدد ركعاتها: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا. والحديث رواه البخاري، ومسلم، وأبو عوانة، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ومالك؛ وعنه البيهقي، وأحمد.

ـ روى مالك في الموطإ بسند صحيح من طريق محمد ابن يوسف؛ وعنه أبو بكر النيسابوري في "الفوائد" والفريابي، والبيهقي في سننه الكبرى، عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين (يعني بمئات الآيات) حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر.

وقد تابع مالكا على الإحدى عشرة ركعة يحي ابن سعيد القطان عند ابن أبي شيبة "في المصنف" ومحمد بن إسحاق عند النيسابوري، وإسماعيل بن جعفر المدني عند ابن خزيمة، كلهم قالوا عن محمد بن يوسف به إلا ابن إسحاق فإنه قال ثلاث عشرة ركعة.

قلت: وهذا العدد -ثلاث عشرة- الذي تفرد به ابن إسحاق منه ركعتا الفجر؛ كما في رواية لابن أبي شيبة، ومسلم، عن عائشة؛ قالت: كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة ركعة بالليل، منها ركعتا الفجر. لكن جاء في رواية أخرى عند مالك -وعنه البخاري- أنها قالت: كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين. وجمع الحافظ ابن حجر بين الروايتين بقوله: فيحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء؛ لكونه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بيته، أو ما كان يفتتح به صلاة الليل. وقد ثبت عند مسلم أنها قالت إنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين. والله أعلم.

ـ وأما ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" وعبد بن حميد في "المنتخب" من "المسند" والطبراني في "المعجم الكبير" وفي "الأوسط" وابن عدي في "الكامل" والخطيب في "الموضح" والبيهقي في "سننه" كلهم من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر؛ فلا يلتفت إليه، كما نوضحه فيما يلي.

قلت: وحديث ابن عباس هذا ضعيف جدا؛ كما قال السيوطي في "الحاوي للفتاوي" وعلته أن فيه أبا شيبة إبراهيم بن عثمان؛ قال فيه الحافظ في "التقريب" متروك الحديث. وقال فيه البيهقي: تفرد به أبو شيبة وهو ضعيف وكذا قال الهيثمي "في الْمَجْمَعِ" إنه ضعيف. وقال فيه ابن معين: ليس بثقة، وقال الجُوزجاني: ساقط. وقال البخاري فيه: سكتوا عنه. وقد ذكر الحافظ ابن كثير في اختصار "علوم الحديث" أن من يقول البخاري فيه: "سكتوا عنه" يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده. وأورده الحافظ الذهبي من مناكير هذا الراوي. وقال الفقيه ابن حجر الهيثمي في "الفتاوي الكبرى" إنه يروي الموضوعات.

وهذا الحديث -مع شدة ضعفه- يعارض حديث عائشة وجابر الذي رواه البخاري ومسلم؛ كما قال الحافظان: الزيلعي والعسقلاني.

خلاصة البحث: نظرا لما قدمنا واعتمادا عليه، أقول -وما توفيقي إلا بالله-: إن رواية إحدى وعشرين ركعة منكرة، ولا يحتج بها. والله أعلم.

* طالع في الحلقة القادمة: زكاة الفطر