زكاة الحلي
الاثنين, 24 أكتوبر 2022 07:12

 

 

(الحلقة السابعة والعشرون)

 

        اختلف الأئمة في وجوب الزكاة في الحلي:

فقال مالك والشافعي بعدم وجوب الزكاة في الحلي وحجتهما:

1 - روى مالك في "الموطإ" (ص 106) والبيهقي (4/138): عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.

2 - عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة رضي الله عنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها فلا تخرج من حليهن الزكاة.

3 - روى الشافعي في كتابه "الأم" (2/35) وأبو عبيد في كتاب "الأموال" (442/1275) بسند صحيح على شرط الشيخين: عن أبي سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت رجلا يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير.

قلت: نقل الزيلعي في "نصب الراية" (2/375) عن صاحب "التنقيح": قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد ابن حنبل يقول: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس بن مالك، وجابر، وابن عمر، وعائشة، وأسامة.

والموجبان للزكاة في الحلي هما: أبو حنيفة وابن حزم؛ وحجتهما:

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها بنت لها في يدها مَسَكَتَانِ مِن ذَهَبٍ فقال: «هَلْ تُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا»؟ قالت: لا، قال: «أَيَسُرُّكِ أًنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِن نَّارٍ». أخرجه: أبو داود (1563) والنسائي (2/2479) والترمذي (1/124) وأبو عبيد (439/1260) وابن أبي شيبة (4/27) والبيهقي (4/140) وأحمد (2/178).

قلت: وصححه ابن القطان كما قال الزيلعي في "نصب الراية" (2/370) وحسنه شيخنا الإمام الألباني رحمه الله في تعليقه على سنن النسائي.

2 - عن عبد الله بن شداد بن الهادي أنه قال:

دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَّرِقٍ فقال: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ»؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. قال: «أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ»؟ قلت لا، أو ما شاء الله. قال: «هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ».

أخرجه: أبو داود (1565) والدارقطني (205) والحاكم (1/389-390) والبيهقي (4/139) عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شداد.

قلت: قال الحاكم والذهبي: صحيح على شرط الشيخين.

خلاصة البحث:

        يظهر لي أن ما قاله الموجبون للزكاة في الحلي أقوى دليلا، وهو الذي يجب الوقوف عنده، وذلك لما يلي:

أولا: الذين قالوا إن الحلي لا زكاة فيه استدلوا -كما ذكرت آنفا- بأحاديث موقوفة.

ثانيا: القائلون بوجوب الزكاة في الحلي استدلوا على مذهبهم بأحاديث صحيحة وصريحة ومرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثا: الأحاديث التي ذكرت في وجوب زكاة الذهب والفضة عامة فيهما ولم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم الحلي منها بسقوط الزكاة فيه.

رابعا: وممن أوجبوا الزكاة في الحلي: مجاهد وعطاء، وطاوس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، وعبد الله بن شداد، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وابن سيرين.

وقال الزهري: مضت السنة أن في الحلي الزكاة؛ وهو قول ابن شبرمة والأوزاعي وغيرهما.

خامسا: يلاحظ في هذا القرن إسراف المرأة في اتخاذ الحلي، وهذا يشبه كنز الذهب والفضة. ويدل على هذا أن بعض النساء يترصدن الفرص لبيع ما كن يقلن بالأمس إنه حلي معد للاستعمال. والله أعلم.

* طالع في الحلقة القادمة: قضاء الدين من المال قبل إخراج الزكاة منه